حازت فكرة المشروع البحثي “بيبليا عرابيكا Biblia Arabica: التوراة بالعربية بين اليهود والمسيحيّين والمسلمين”، التي وضعها باحثون من جامعة برلين الحرة وجامعة تل أبيب، على منحة منظمة التعاون الألماني الإسرائيلي للأبحاث التابعة الصندوق الألماني للأبحاث DFG لسنة 2012. تعتبر هذه المنحة مميزة جدًا والأولى من نوعها لأنها تنتمي إلى العلوم الإنسانية وبالرغم من ذلك حصلت على هذه المنحة الكبيرة من هذا الصندوق. تعتبر فكرة المشروع ثمرة تعاون بين أ.د كاميلا أدانغ وأ.د مئيره بولياك من جامعة تل أبيب وأ.د أندرياس كفلوني من جامعة لودفيغ ماكسميليان في ميونخ وأ.د سابينا شميتكه من جامعة برنستون، وسوف يركّز على دراسة الموروث الغني والمتعدّد لترجمة التوراة والإنجيل إلى العربية بدءًا من القرن الثامن للميلاد. يلتزم الصندوق الألماني للأبحاث بتمويل هذا المشروع المميز والرائد على مدار خمس سنوات (2013-2017) بميزانية تبلغ 1.6 مليون يورو.

بعد فترة وجيزة من الفتوحات الإسلامية، في القرنين السابع والثامن للميلاد، شرع العديد من المسيحيّين واليهود والسامريّين الذي يعيشون بين ظهراني الخلافة الإسلامية بترجمة كتبهم المقدّسة – التوراة اليهودية، والإنجيل والتوراة السامرية – إلى اللغة العربية التي كانت اللغة السائدة في ذلك العصر. نجت العديد من هذه الترجمات – من العبرية واليونانية والسريانية والقبطية – ووصلت إلينا مجموعات كبيرة من المخطوطات والشذرات بفضل احتضانها في الأديرة والكنس والمكتبات المختلفة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.

قياسًا ببقية الترجمات للتوراة والإنجيل التي وضعت على مدار التاريخ، تعتبر الترجمات العربية أوفرها على صعيد عدد المخطوطات أو الكتب المطبوعة التي نجت من أيدي الدمار. زد على ذلك، تكشف لنا هذه المجموعات عن غنى لا مثيل له على صعيد الأساليب والتوجّهات التعليمية والمفردات والخطوط المعتمدة فيها والأيديولوجيات القائمة في أسسها. بالرغم من أن هذه الترجمات قد وضعت لاستخدامات داخلية للطوائف الدينية المختلفة، فإنها قد اقتبست واعتمدت بين الكتّاب المسلمين الذي كانوا على اطلاع واسع على القصص والشخصيات التوراتية المذكورة في كتابهم المقدّس ألاَ وهو القرآن.

ولكن في حين بذلت جهودًا كبيرة في العصر الحديث في دراسة ترجمة الأعمال العلمية والفلسفية من اليونانية إلى العربية منذ مطلع العصر العباسي الثاني (النصف الأول من القرن التاسع للميلاد)، فإن الجهود التي بذلت للدراسة المنهجية لترجمات التوراة والإنجيل بالمعنى الأوسع إلى العربية بقيت متواضعة جدًا.

يسعى مشروع “بيبليا عرابيكا إلى تصويب هذا الخلل، وذلك عبر اعتماده الدراسات المتكاملة لباحثين من جميع أنحاء المعمورة، والتي ستكشف عن مختلف المدارس والشخصيات المتوسطية التي شاركت في مشاريع ترجمة الكتب المقدسة، ووصفها والتوقّف عند غاياتها وتوجّهاتها والأساليب والطرق المعتمدة فيها، إضافة إلى التبعات الاجتماعية والثقافية لهذه المشاريع الإبداعية والطموحة. وعليه، فإن يكمن صلب المشروع الحالي في مسح ودراسة آلاف المخطوطات والشذرات القديمة، والتي لطالما بقيت مكدّسة في مخازن الأديرة المنتشرة في الشرق الأوسط والمكتبات الموزّعة في جميع أنحاء العالم.

يسعى المشروع الحالي عبر دراسته هذه المخطوطات إلى المضي قدمًا لتحليل الترجمة بوصفها فعلاً وعملية، ودراسة السبل التي اعتمدها المترجمون المنتمون إلى ملل مختلفة للتأثير على بعضهم البعض في السياقات الدينية والثقافية المشتركة.
سوف تُنشر غالبية مخرجات هذا المشروع عبر سلسلة الكتب الخاصة بالمشروع (Biblia Arabica: Texts and Studies) تصدرها دار النشر البريلية في ليدن، ويقوم على تحريرها فريق دولي يتشكّل من ستة باحثين ويشمل كلاً من أ.د كاميلا أدانغ وأ.د مئيره بولياك وأ.د سابينا شميتكه.

كذلك، فقد خُصّص المجلّد الأول من المجلة الأكاديمية المحكّمة (Intellectual History of the Islamicate World) (إصدار دار النشر البريلية، ليدن، 2013) لموضوع الترجمات العربية للتوراة والإنجيل.